الأربعاء

حقيقية مؤثرة جدا

  إنها طفلة لم تتجاوز السادسة من العمر مرمية على أحد القبور الحديثة و تحفر بكلتا يديها القبر و هي تقول باكية
خلص طلاع ما عاد بدي ألعب طميمة طلاع أمانة.

أحزنني هذا المشهد كثيرا فاقتربت منها فإذا بوالدها يجلس على حافة قبر آخر و الدمع ينهمر بصمت من عينيه وهو ينظر إليها دون أن يمنعها... حاولت حمل الطفلة و إبعادها عن هذا العمل لكنها أبت إلا أن تتابع ما تقوم به و هي تبكي سألت والدها عن السبب فأخبرني و الدمع يملأ عينيه و الحرقة تعتصر قلبه. قال لي : في ذلك اليوم أراد ابني أن يخرج من البيت لكن أخته هذه منعته من ذلك و هي متعلقة به كثيرا و كلما هم بالخروج قامت بالبكاء الشديد لتمنعه.

فما كان منه إلا أن لجأ إلى الخدعة معها فقال لها : يلا ما عاد بدي روح خلينا نلعب طميمة.

فقبلت :: و لعبا سوية فهي تغمض و هو يختبئ و بعد عدة مرات أغمضت عينيها و استغل الفرصة و خرج من المنزل فتحت عينيها و بدأت بالبحث عن أخيها دون جدوى. و ما هي إلا لحظات حتى رن جرس هاتفي ظاهرا عليه اسم ابني فتحت الخط فإذا بي أسمع أصوات ضجيج و صوت رجل غريب أخبرني بأن ابني قد استشهد برصاص قناص غادر وضيع شيعناه في اليوم التالي فشاهدته ابنتي و هو محمول على الأكتاف فنادته فلم يستجب. 

فقالت لي : بابا و ين آخدينو لأخي.
فقلت لها في حيرة : رح ياخدوه حتى يتخبى منشان تكملو لعبة الطميمة.
فقالت : بس أنا ما عاد بدي إلعب.
فقلت لها : بس هالمرة.

و أثناء دفنه أغمضت ابنتي عينيها في حجري و قالت لي هامسة : يللا خلي يتخبى. لقد و ضعناه في الحفرة و لفه تراب الوطن شهيدا بإذن الله و عدنا إلى البيت و من يومها تطلب منا كل يوم أن نأتي إلى المقبرة لأنها تعرف أن أخيها قد اختبأ هنا و تقول : يا متخبي احفير و طلاع. ثم شهق شهقة أحرقت قلبي و قال لي : و الله ما عاد يطلع. 

ثم أجهش بالبكاء حتى احمرت عيناه و ابتلت لحيته

فتركتهما و خرجت من المقبرة و أنا أردد في نفسي و الدمع في عيني : يا متخبي احفير و طلاع.